-
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام :
01-11-2021
رقم العضوية :
116
المشاركات :
6453
الجنس :
الدعوات :
2
قوة السمعة :
10
-
رواية غزالة في صحراء الذئاب للكاتبة رحمة سيد الفصل السادس
تشربت ملامحه التوتر الشديد، بحث عن اجابة مقنعة ولكن لم يجد ابدًا، اضطر لأضافة كذبة جديدة إلى قاموسه الغامض الذي بدى انه لا نهائي، وقال بهدوء مصطنع:
البيت ده فيه ذكريات كتير حلوة لينا
ولأول مرة تستقبل حبه وشوقه على وتيرة السخرية، تتهكم على مشاعره الجياشة وإن كانت كاذبة حيث قالت بصوت قاتم:
يعنى وهي الذكريات عملت لنا اية ياخويا؟
اجابها بصوت حاول إخراجه ثابتًا:
جابتلنا الهدوء وراحة البال.
يبدو أنه يتحدث عن نفسه فقط، فأى هدوء وراحة بال وهي لم تذق يومًا هانئًا، لم يمر يوم إلا وتعكر صفوها بالمهانة والذل كونها زوجة حارس البناية!
اجابته مبتسمة بتهكم:
الذكريات مش هتمحى نظرة الناس لينا، مش هتمنعهم يقولوا لينا يا مرات البواب و يا بنت البواب، مش هتخرسهم!
صاح فيها باهتياج:
لأ بس هتحفظ لنا سكينتنا، ممكن نبقي معانا فلوس الدنيا وأتعس ناس.
لم يرها يومًا بذاك البؤس، لم يسبق له أن لمح تلك النظرة في عينيها، وكأن ذاك الزمن القاسى نجح في تغيرها تمامًا وتغيير نظرتها كاملة عن الحياة!
سألها بهدوء حاول خلقه من بقايا الانفعال:
يعنى انتِ عايزة أية بالظبط يا كريمة؟
تبدلت الأدوار وحان دورها لتكذب هي تلك المرة، زاغت بعينيها مجيبة:
ما أنا قولت لك، نبيع البيت وبكام قرش نزودهم نجيب بيت أحسن في مكان تانى.
تلقت الصمت اجابة على كلماتها الغير مقنعة بالمرة، فدفعها ذاك الصمت لتكمل اكثر ظنًا منها انه يُفكر:
يعنى انت عارف إنى بأشتغل في المستشفى عاملة يعنى، ف حتى ممكن أدخل جمعية وأكمل على فلوس البيع
لا يبدو انه اقتنع، اى هراء هذا، الذكريات مجرد غطاء يغطى اسفله السبب الرئيسى والهام لذاك الرفض، ولكن لن يكشفه، والسبب مُهين لكونه رجل، الخوف!
هز رأسه نافيًا بشدة قبل ان يحيد عنها بنظرة حادة متابعًا:.
اوعى أعرف إنك عملتى كدة، ماتدخليش نفسك ف دوامة أنتِ مش قدها
مطت شفتيها بضيق واضح، ما السبب لتلك الحدة، هي فقط ارادت العيش كأى امرأة في منزل متوسط يحتويها وابنتها، ولكن دائمًا ما يعاندها القدر لجعلها متيقنة وراضية بما قسمه الله لها..
بينما راح يسألها هو مرة اخرى مستفسرًا:
لكن أنتِ هتبيعيه لمين اصلاً؟
غمغمت بلوع:
عباد الله كتير، واكيد في ناس هتشترى
جز على اسنانه بغيظ، ورغمًا عنه خرج صوته متهكمًا:.
ومين هيرضي يشترى بيت زى ده، من حلاوته يعنى ولا أية؟!
مطت شفتيها بعدم رضا، ربما ينقسم لنصفين ظاهريًا، منذ ثوانٍ يمدحه والان يبدو أنه يمقته؟! أيريد جنون جنبات عقلى لأفقده ويفعل ما يريد!
قالت لنفسها هكذا قبل ان تتمتم بغيظ:
يوه، أنت مش عاجبك العجب ولا الصيام ف رجب!
تنهد بقوة، يأس من تلك المناقشة التي بدى انه هُزم فيها فشل زريع، لم يستطتع ري زهور حبهم وايقاظها مرة اخرى لتحيى ذاك المنزل بداخلها، وإن كان الهدف مختلف..
بأعين مهمومة ومكتفية سألها:
يعنى أنتِ مصممة على الى ف دماغك؟
اومأت مسرعة بأبتسامة متأملة، ليشقها بقوله البارد:
وأنا قولت لأ.
كانت شمس تتابعهم بأعين مُلهكة، هادئة، ضائعة، لا يهمها منزل أو غيره، لا يهمها مظاهر واقنعة، ما يهمها حقًا هو ما بداخل تلك الأقنعة، والديها..
فجأة سألته بقلق وهي تشير على وجهه:
بابا اية ده مين إلى عمل فيك كدة؟
ظهر الارتباك عليه، ظل يزوغ بعيناه وجاهد أن يبدو ثابتًا وهو يجيبها:
ده آآ ده أنا آآ أنا وقعت لما كنت ف الحمام بس
يلا الزيارة أنتهت.
هتف بها العسكرى بصوته الأجش، منهيًا نقاش كان على وشك أن يودى بحياة عائلة كاملة الى الجحيم على قدم وساق مهلكة..
يجلس على فراشه الناعم الكبير، في غرفة متوسطة المعيشة، ذات اثاث حديث، الخشب باللون البني اللامع، الفراش بجوار أريكة صغيرة وامامها الدولاب البني، والذي طلاهم هو مؤخرًا باللون الأسود ليدمر مظهرهم الجذاب، لتتلائم مع حالته المرزية، غرفة كاملة ساكنة كانت ذات يوم مصدر ومنبع للسعادة والذكريات الحنونة، ولكن الان، اصبحت مصدر للآلآم والقهر فقط!
يتوسط غرفته جالسًا على الفراش بجسد مُهلك من كثرة الركض، وأعين لطالما ترجته أن يرحمها ويغلق عليها جفون الراحة ولو قليلاً، ولكن مهلاً، لن ولم يرحمها إلا بعد أن يتمم، انتقامه!
مدد جسده قليلاً، ينظر للأعلي بشرود، مقتطفات خائنة ركضت في جنبات عقله لتلك المدعوة ب خلود..
صحيح أسمًا على مسمى، يبدو أنها خالدة في هذا العقل الذي لن يهدأ، ولكن رويدًا رويدًا، أين رأيتها من قبل؟!
سأل نفسه هكذا وهو يحك ذقنه بطرف اصبعه الابيض، لم يصل لاجابة مهدئة، واخيرًا اُغلقت اهدابه السوداء، لتعلن هدنة صغيرة لذاك المقاتل الشرس من اجل انتقامه الشنيع..
في مكان مُظلم، هادئ، فتاة في اواخر العشرينات من عمرها، وجهها أبيض ملائكي يشع نورًا غريبًا، وجسد يدل على انوثة صاحبته الصارخة التي لم تظهر لأى شخص، وحجاب صغير كان يومًا ما مُهندم قبل أن يُمزق ليظهر شعرها البني الغزير، تشجنت قسمات وجهها وحاولت تحريك شفاهها ولسانها لتصرخ..
ولكن، أين تلك الصرخة التي خشيت الظهور أمام تلك الوحوش التي تقترب منها رويدًا رويدًا بيدًا ممسكة ب ( سيخًا ) من النار، يزداد الذعر ويفترش قسماتها قبل عينيها الزيتونية الخضراء وهو يقترب منها بأبتسامة شيطانية، همس بصوت أشبه لفحيح الأفعى:
اية يا حلوة، خايفة؟
أشار برأسه لليسَار حيث كان مراد يقف مكبلاً بسلاسل حديدة، أطبقت على صدره وكتمت أنفاسه بمفعول أقوى من الكمامات التي يضعوها على فمه، عيناه حمراء منذرة بأندلاع ثورة غاضبة..
ثم قال الرجل بجمود:
خليه يقولنا فين الفلاشة وأحنا نسيبكوا انتم الاتنين
هزت رأسها نافية بسرعة كحركة معبرة عن عدم معرفتها بذاك الأمر، ولكن، هل تعرف أن إبليس يرحم يومًا؟!
بالطبع لا، هو مثله تمامًا، بلا قلب، ينفذ رغبة من أجل مصلحة تقودهم كالمنوم المغناطيسي نحو الشر!
أحتقن وجهه بغضب هادر، وفي ثوانى كانت النار على منتصف جسدها تكويه بلا رحمة أو شفقة، تحدث علامة اخرى مؤكدة ومُدلة على ذاك العذاب الذي وُشم على أقدارهم، صرخة مكتومة بقهر لم تخرج ابدًا، لم تسعفها حبالها الصوتية، وجرح غائر فُتح من جديد ليكوى قلبًا ادمى بعشق ابدى، قبل الآمه لهذا الجسد المنتهك، نظراتها وكأنها تصرخ فيه بعنف:
ارجووووك أنقذني أرجووووك!
...
هب منتصبًا على فراشه والعرق يتصبب منه بغزارة، خلاياه المتألمة لم تنسي يومًا ذاك اليوم الذي أُصيبت فيه بأبشع الاصابات، كانت وجهه متجهمًا شاحب، نظراته زائغة وعيناه لامعة بدموع قهرية، دموع لو سقطت لأحرقت كل شخص لوث ذاك العشق، وجعل الايام التي من المفترض احلى ايامه، عبارة عن كابوس من الماضي يلاحقه يوميًا، حتى أقسم أنه لن ينام إلا عندما يذيقهم من نفس الكأس...!
يمدد جسده للخلف على الأريكة الموضوعة في الركن في الصالة في منزله ومأواه الوحيد، كل ثانية تمر يزفر فيها أكثر واقوى من ذى قبل، وكأنه يخرج همومه في هذا الهواء، وضع يده خلف رأسه ناظرًا للأعلى بشرود، شيئ ما جذبه لتلك صاحبة العيون الرمادية، شيئ كره أن يستسلم له يومًا وإن كان مجرد اعجاب، تجاعيد وجهه وعيناه الحادة كلما شعرت بطيف لمعة فيهم ألموه على الفور كنوع من التذكير فيما مضي، كالأنذار ينذر فور اقترابه..!
جلس امامه صديقه الوحيد والشخص الوحيد الذي سمح له أن يطلع على جوف حياته المظلم، تنحنح مروان بهدوء قائلاً:
أية يا مالك، فيك أية؟
مطت شفتيه مجيبًا بلامبالاة مصطنعة:
مفيش عادى
سأله مرة اخرى بأصرار لمع في عينيه:
لأ مالك بجد، أية البت خشيت ف دماغك ولا أية يا برنس؟
هز رأسه نافيًا، ثم استطرد بهمس اشبه لفحيح الأفعى:
هي خيشت، جامدة بنت الاية، بس اكيد زيها زى غيرها مسيرها ليلة
رمقه بنظرات ذات مغزى وتابع محذرًا:.
بس خلى بالك يا مالك دى مش من البنات اياهم
اومأ مالك بهدوء، ثم أردف بخفوت:
أيوة عارف، و ده الى مخلينى مُتمسك وعايزها
نهض مروان مقتربًا منه، ثم ربت على كتفه برفق، وكأنه يزيح ذاك الوباء الذي يفكر فيه في تلك الثوانى، ثم قال بجدية:
أنسي يا صاحبى، أنا عارف إنك لسة مانستش
تقوس فمه بابتسامة ساخرة واجاب:
مش فارقة يعنى نسيت ولا لا، منا عايش أهو عادى!
هز رأسه نافيًا، وتجمدت ملامحه وهو يستطرد بخشونة:.
لازم تنسى، وبعدين أنت لسة نضيف من جوة، أنت لسة مالك بتاع زمان أنا متأكد
صرخ فيه مالك بحدة تجلت في نبرته المتحشرجة:
لأ مش بتاع زمان، بتاع زمان مات، أنا دلوقتِ مالك تانى، بتاع شرب وبنات وسهر
ضحك بخفة ساخرًا:
لأ لأ ماتضحكش على نفسك، أنت ناسى إنك لحد الوقتى ملمستش ولا بنت، أخرك سجاير وحشيش ممكن بس يا برنس!
جز مالك على أسنانه بغيظ، بالفعل هو لم يتخطي ذاك الحاجز يومًا، لم يستطع كسره بقوة بالرغم من الهالات المجمعة حوله محاولةً لكسره..!
تابع مروان بصوت أجش:
مش حتت بت هتعمل فيك كدة يعنى
تأفف متابعًا بألم حاول اخفاؤوه:
مش البت الى كسرتنى، الى كسرنى الحاج جمال الى مفروض إنه أبويا، يعمل فيا كدة!
سارع مروان مبررًا:
بس يا مالك ه، آآ.
قاطعه مالك بنظرة معلنة عن نهاية تلك المبررات التي لن ولم تجعل جليده يلين ولو لبرهه، ثم ضغط على كل حرف قائلاً:
ايًا كانت المبررات، مفيش أب يعمل ف ابنه كدة
صمت برهه يستجمع قواه التي كادت تخور ثم هتف:
مفيش أب يخلى مرات أبنه تخون أبنه مهما كانت الأسباب يا صاحبى!
تستجمع شتات نفسها المبعثرة، وأمام مرآتها التي تعكس صورتها الهادئة جلست على الكرسى الخشبي الصغير، تنظر لنفسها غرة وليدها التي شوهت مسبقًا غرة اخرى، وكأنها تتأكد أن تلك المجروحة ما هي إلا سواها، تلقلقت الدموع المتحجرة في عينيها البنية وهي تتذكر كل ما مرت، ألم فوق ألم تعجز عن إيقافه حتى شعرت أنه خُلق لها فقط، ثانية اثنان ثلاثة، بدأ قلبها يدق بصخب وقوة شعرت أنه سيقف بسببها حتمًا، وهاجمتها سيل الذكريات التي تعيد زراعة ذاك الألم مرارًا وتكرارًا بداخلها..
فلاش باك
كانت تنام على فراشها مغلقة الجفنين لتغطى عينيها المرهقة، بملابسها التي تخرج بها، وفجأة في حلمًا ما من تلك الأحلام التي لا تعلم هي خير أم شر حقًا؟.
طفلة ذات اربعة سنوات، ذات ملابس أنيقة مهندمة، مكونة من جيب قصيرة وبلوزة نصف كم، شعرها أسود وملامحها معتادة كأى طفلة بعمرها بريئة، كانت تركض على احدى الحشائش الخضراء لتبدو فراشة محلقة اعلى الزهور، واذ فجأةً تأتى فتاة ملثمة جسدها متوسط، بيدها قطعة قماش بيضاء، يبدو أنها مخدر، اقتربت من الطفلة رويدًا رويدًا من الخلف ثم فجأة انقضت عليها وسط بكاء الطفلة وخدرتها، لتتجه لأحدى السيارات السوداء التي كانت تنتظرها في جزء بعيد مُنقطع، وهي تتلفت بين حين والاخر، وبملامح باردة وقلب تعلم القسوة بامتياز، مدت يدها لرجل ما يجلس بهدوء، امامه بعض الاجهزة الطبية، وكأنها سيارة للاسعاف، ثم خرج صوتها متحشرجًا:.
انجز خلص شغلك بسرعة عشان اهلها
اومأ موافقًا وهو يمد يده ليحمل الطفلة ويمدد جسدها على فراش صغير جدًا بالسيارة، وبدأ يعد كل شيئ ليسرق اعضاءها!
تحت انظار تلك التي سُميت يومًا بالخطأ انثى رهيفة المشاعر، ولكن اى مشاعر هذه!، مشاعرها كالصخر بين جنبات قلبها الذي ينبض بهدوء دون احتجاج على ما يحدث وكأنه اعتاده مؤخرًا..
صرخت فيه مرة اخرى بحدة:
ما تنجز انت هتاخد اليوم!؟
اومأ مؤكدًا وهو منشغل مع الطفلة، ليقول بضيق حقيقي:
ما تهدى يا بنتى، دى سرقة اعضااء مش سلق بيض
تأففت وهي تتفحص الاجواء، وبعد فترة لاحظت الهلع على قسمات وجهه لتسأله بتوجس:
في اية إلى حصل؟
اجابها بصوت مرتعد:
دى آآ دى م ماتت!
هنا استيقظت هي من ذاك الحلم، بملامح تشربها الخوف والقلق والشفقة، وأعين كادت تبكى من قسوة ما رأت، لم تعطى لعقلها فرصة للتفكير ونهضت راكضة لذاك المكان الذي رأته في حلمها، ومن حظها أن والدتها لم تكن بالمنزل ذاك اليوم لتمنعها، استقلت سيارة اجرة تترجاه أن يُسرع، وتمنع وتغلق باب جوف عينيها المتألمة بصعوبة شديدة، وصلت المكان ووجدت ما رأته يتحقق بالفعل، ركضت باتجاه الطفلة التي كادت تحملها الفتاة، وزمجرت في الفتاة بغضب وثبات مصطنع:.
انتِ مين يا مجرمة انتِ، عايزة اية من بنتى؟
لم ترد الفتاة وانما ركضت مسرعة بقلق، في هذه اللحظات تقدمت سيدة ما في منتصف عمرها، ترتدى حجابها الذي يدير ملامحها المتوجسة، اقتربت من خلود ثم صرخت فيها بهلع عندما رأت ابنتها هكذا:
حرااامية مجرمة، عايزة تخطفى بنتى
هزت خلود رأسها بسرعة مبررة:
لأ آآ لأ أنا آآ..
قاطعتها السيدة فجأة وهي تخرج سكين صغير وتشوه يد خلود التي تحمل الفتاة، في حين أطلقت خلود صرخة مدوية من شدة الألم..
باك
مدت يدها بأصابع مرتعشة تتحس ذاك الجرح الذي لم يزول، ودموعها تغرق وجنتاها، ذاك الجرح الذي كان مكافأة على إنقاذها لطفلتها!
علامة مشوهه تجعلها تتذكرهم دائمًا، أقسمت أنها اعتادت أن تستقبل المقابل القادم بأعين مغمضة وكرامة استعدت للمحو حتمًا، ضحكت بسخرية عندما تذكرت صدمتها العميقة عندما علمت من هو والد تلك الطفلة، صدمتها التي لم يستطع اى شخص انتشالها منها لأكثر من خمسة شهور!
...
قطع حبل أفكارها المتين والذي يتعمد تذكرتها دائمًا حتى لا تقع في نفس الحفرة مرة اخرى ببلاهة، صوت هاتفها معلنًا إتصال من صديقتها الوحيدة شمس.
اجابت بصوت اجتمع فيه الألم والكسرة:
ايوة يا شمس
اية يا بنتى أنتِ فين كدة؟
في البيت
طيب يلا قومى ألبسي، ونتقابل في الحديقة العامة الى عند البيت
طيب
مالك يا حبيبتي
مفيش عادى
أما أشوفك هعرف مالك بأذن الله
ماشي، سلام
سلام.
أغلقت تتنهد بحزن تعمق وتمكّن منها، توغَل منها بقوة رغبةً في تعليمها درسًا لن ولم تنساه يومًا، لتشعر بتلك الشفقة التي تكرهها تجتاحها تضامنًا معها هي!
بعد فترة أنتهت شمس من ارتداء ملابسها بالكامل، ولم تضع اىً من مساحيق التجميل، خرجت من غرفتها الصغيرة لتجد والدتها تجلس على الأريكة تضع يدها أسفل خدها وتشاهد احدى الأفلام على تلفازهم الصغير، نظرت لها بهدوء ثم تنحنحت قائلة:
ماما
همهمت والدتها بتساؤل دون أن تحيد بنظرها عن التلفاز:
اممم، خير يا شمس؟
اجابتها بجدية:
أنا رايحة أقابل خلود صاحبتى
نظرت لها هنا بتوجس وقالت:
أنتِ متأكدة؟
اومأت شمس بهدوء، لتتابع والدتها بامتعاض:
طيب، أعملى الى يريحك.
اتجهت شمس للخارج بخطى ثابتة وهادئة، وخرجت من المنزل، وقفت في بهو البناية لثوانى تلقي أخر نظرة على نفسها بالمرآة، وفجأة وجدته يسحبها من يدها ليدخلها امام باب منزل مغلق وفي اخر المدخل، شهقت هي بصدمة، فوضع يده على شفتاها المنتكزتين ليمنع صوتها من الظهور، شحبت ملامحها وتشربها الرعب باستمتاع، بينما كان هو يراقب كل خلية في جسدها بأعين متلهفة، ابعد يده عن شفتاها يحيط خصرها بيده بحركة تملكية جعلت القشعريرة تسير بجسدها حتى عامودها الفقرى، لتهمس هي بصوت اشبه للبكاء:.
انت عايز منى اية؟
كان مثبتًا نظراته على شفتاها، تنتقل عينيه السوداء بين بحر عينيها الرمادية وشاطئه الذي يجعله يكاد يفقده عقله، شفتاها الكرزية، ثم اقترب منها اكثر حتى إلتصق بها واجابها بنشوة:
عايزك انتِ
حاولت تحرير خصرها الذي احتلته يده القوية وهي تقول برجاء:
سيبنى في خالى بقا يا استاذ مالك
هز رأسه نافيًا، ليرسو بسفينة شهوته على شاطئ لطالما كرهته وابتعدت عنه:.
لأ مش هابعد، انتِ عايزة ده يحصل تحت مسمى الجواز؟ أوك موافق
جهر قلبها باعتراض شديد على هذا الحاكم الذي يترجم خوفها وإرتعاده جسدها بحروف معاكسة، لتستطرد هي باعتراض:
لأ لأ انا مش عاوزة اى حاجة، عايزاك تبعد عنى بس.
لم يصغى لها، لم يكن معها بالأساس، كانت حواسه جميعها منشغلة بذاك الشيئ الجديد والذي لم يقابل منه حتى الان سواها برغبة جامحه في تعمقه اكثر، ظل يقترب وهي تحاول إبعاده حتى اصبح امام شفتاها تمامًا ليهمس برغبة:
انتِ حاجة حلوة أوووى
كلماته لا تجعلها تشعر بالفخر ابدًا كونها انثى، لا تشبع غزيرتها الانثوية وكبرياءها، بل تجعلها ترغب بشدة في تمزيق جسدها لأشلاء حتى لا تقهر اذنيها بسماع كلمات الغزل المسموم تلك..
قطع حبل افكارها بقبلة عميقة وتملكية، قبلة تعدد زمنها وابتعد بها عن ذاك العالم، ليبدأ في تعلميها بالأبجدى حرفًا حرفًا من تلك التي تُدعى رومانسية، قلبها جعلت شفتاها تدمى دمًا امتعه بين شفتاه الراغبة، وفشلت محاولاتها في إبعاده، وفجأة سمعوا صوت تعرفه هي جيدًا جعل المعجزة تحدث ويبتعد مالك عنها:
الله الله، اية ده ان شاء الله يا ست شمس.
كانت في موقف لا تحسد عليه، من جوف عميق أسود راغب لجوف اسوء واسوء تملكى متوحش، غمغمت بأعين مذعورة:
يحيى آآ انا والله آآ..
قاطعها مالك بسؤاله ليحيى بأنفاس لاهثة:
أنت مين أنت اصلاً، ملكش فيه
زمجر فيه يحيى غاضبًا:
لأ ليا يا حيلتها، دى مراتى
إتسعت حدقتا عيناها وهي تسمع لكلماته بتوجس، وقيدت الصدمة لسانها مرة اخرى، بينما قال مالك متساءلاً بجدية وسخرية واضحة:
لا والله، مراتك منين ان شاء الله، دى مش متجوزة.
هز يحيى رأسه نافيًا، وقرر أستغلال تلك الفرصة التي لن تأتى له مرة اخرى، واخرج من جيبه ورقة ما قائلاً بخبث وهو يمد يده بها لمالك المدهوش:
لأ مراتى من ورقة الجواز العرفى دى!