logo


أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في منتدى ميكس آر تي | Mixrt، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .


  1. منتدى ميكس آر تي | Mixrt
  2. الأقسام العامة
  3. القصص و الروايات
  4. رواية السماء تشهد أيها الماجن




look/images/icons/i1.gif رواية السماء تشهد أيها الماجن
  09-01-2022 11:27 مساءً   [4]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية السماء تشهد أيها الماجن للكاتبة رضوى جاويش الفصل الخامس

كانت الغيوم تنذر بذلك منذ الصباح الباكر منذ كانت بذاك الكهف الصخري لكن ماذا عليها ان تفعل الان وأين يمكنها البقاء في تلك الساعات القليلة القادمة والتي من الممكن ان تستمر حتى صباح الغد اتقاءً لذاك السيل الجارف من ماء المطر الذي بدأت وتيرته تشتد منذ بعض الوقت ولا حيلة لها الا الاحتماء ببعض الأشجار العريضة الاوراق تتخذها ستارا يقيها البلل الى حد ما فلا قدرة لديها على العودة لموضع اختبائها الأول بذاك الكهف الصخري على الجانب الاخر من الجزيرة وكذا قبول عرضه بالاحتماء بكوخه..

أصبحت الأمطار من الغزارة ما جعل احتمائها الواهن ذاك اشبه بالوقوف امام وحش بكف عار..
سمعت صوته الاجش يناديها وهو يقف على اعتاب كوخه الخشبي الذي يبدو انه صنعه ما ان وطأت قدماه الجزيرة وقبل ان يشأ القدر ويجتمعا: - تعالي احتمي بداخل الكوخ، صدقيني وقوفك ذاك تحت الأمطار لن يجلب لكِ الا المرض..

هزت رأسها رافضة تماما التواجد مع زير النساء ذاك في مكان واحد لا يتعد اتساعه عدة أمتار، لن تدعه ينل الفرصة لمغازلتها والتقرب منها ولو داهمها الموت حتى..
هز رأسه في ضيق فهو لم يفلح في اثنائها عن رأيها لتدخل وتشاركه الكوخ رغم انه ليس بالمكان المثالي في مثل ذاك الطقس المطير الا انه افضل حالا من الوقوف تحت ذاك الوابل من المطر، انها هالكة لا محالة همس في غيظ: - الحمقاء متصلبة الرأس..

تطلع اليها للحظات ثم اطلق سبابا حانقا ودخل الي الكوخ وقد قرر تجاهلها لكنه لم يستطع عندما بدأت السماء ترعد وتبرق منذرة بالمزيد من هطول الادمع..
نهض عازما على ادخالها الكوخ بأي ثمن حتى ولواضطر لسحبها من شعرها كما كان يفعل رجل العصور الحجرية..

انتشى للفكرة وما ان هم بالخروج اليها عابرا عتبة كوخه حتى اصطدم بها مسرعة ومندفعة اليه تخبئ رأسها بين ذراعيها وقد انزرع جبينها بصدره من شدة التصادم، كانت ترتجف محاولة ان تصم آذانها عن صوت الرعد الذي يرعبها..
شعر للحظة بالانتصار لمجيئها لكن شعوره بالشفقة طغى على شعور الظفر ذاك وهو يراها ترتعش بهذا الشكل المتكرر..

ابتعد عن مدخل الكوخ لتدخل مسرعة اليه دون تردد ليدخل خلفها متطلعا اليها تقطر ماء من رأسها حتى اخمص قدميها وترتجف كعصفور منذوع الريش يقف في مهب رياح شتوية وخاصة وقد ابتلت ملابسها بهذا الشكل ملتصقة عليه مبرزة نحافة قدها..

تنحنح محاولا صرف خواطره من التوجه الي ذاك المنحن الخطر كما هى عادتها منتزعا إياها انتزاعا من السير في ذاك الدرب الشائك وخاصة في ذاك الوقت وهمس بصوت أبح: - لو بقيتِ بهذه الملابس المبتلة فالموت مصيرك لامحالة..

شعرت بالتهديد فضمت جسدها بذراعيها في محاولة لإشعار نفسها بالامان والحماية ولم تعقب ليستطرد مؤكدا وهو يندفع خارج الكوخ: - سأذهب لإحضار حقيبة وجدتها قبل ظهورك ولم استطلع محتوياتها ربما يكون بها بعض الملابس لعلك تجدين ما يناسبك لارتدائه..

تحركت هى متخشبة الخطوة تجلس في ابعد ركن من ذاك الكوخ المربع محاولة تجنب البقاء على مقربة منه رغم رغبتها الشديدة الالتصاق بركوة النار الصغيرة الكائنة بوسط الكوخ والتي أشعلها داخله ما ان بدأ الطقس بالخارج يلهو بألعابه من امطار ورعود..
اندفع هو تحت الأمطار على ذاك الجانب الذي وضع به تلك الحقيبة الجلدية والتي وجدها ملقاة على الشاطئ وقد لفظها البحر رغبة في عدم الاحتفاظ بها..

تناول الحقيبة وعاد مسرعا قدر إمكانه على تلك الارض الزلقة والموحلة وما ان جذب باب الكوخ ليدخل حتى كادت تصرخ مذعورة لكنها امسكت صرخاتها ما ان وعت له فقهقه لذعرها هاتفا: - من يمكن ان يكون غيري لتنتفضي هكذا ذعرا!؟، احد الأشباح جاء متلمسا الدفء مثلا!؟.
همست وهى تنكمش على نفسها في خوف مرتجفة: - ارجوك اصمت، لا ذكر لمثل تلك القصص في مثل ذاك الطقس الثائر، رجاءً ان تكف..

تطلع اليها وقد اصبح على نفس حالها عندما دخلت الكوخ يقطر ماءً وقد ابتل كليا، وضع الحقيبة ارضا وفتحها مشيرا اليها لتقترب امرا إياها: - تعالي لتختاري لنفسك ما يمكن ان يكون مناسبا لك لترتديه..
تقدمت خطوة سيرا على اربع، كفيها وركبتيها، حتى اصبحت امام الحقيبة المنفرجة وبدأ هو في اخراج الملابس قطعة قطعة باحثا عما يناسبه لكن يبدو ان تلك الحقيبة لامرأة فكل ما بها يؤكد ذلك..

شعرت بالإحراج وكاد الدم يهرب من شرايينها وهو يقلب بمحتوايات الحقيبة بفضول تام مستمتعا بكل تلك الأغراض النسائية لا متحسرا كما اعتقدت لانه لم يجد ما يمكنه ارتدائه، كان كمن وجد كنزا غير متوقع وهو يحفر الارض عبثا..

ابتسامته التي تظهر على طرف فمه المغري يشعرها بمدي سعادته، قررت التدخل لتقويض دعائم الفرحة المنبعثة من تلك الاحداق الماجنة فهى معه بفراغ مربع صغير ولا قبل لها على مغالبة عبثه فهتفت وهى تغلق الحقيبة دفعة واحدة جعلته ينزع كفيه بسرعة قبل ان يلتهمهما فكي الحقيبة التي أغلقتها حياة في ضيق هاتفة: - من الواضح ان لا شئ يليق بك هنا لترتديه الا لو كنت تفضل ملابس النساء!؟.

قرأ دوافعها لغلق الحقيبة بذلك العنف بكل سهولة ليهمس في مجون: - افضل ملابس النساء عندما ترتديها امرأة جميلة لأجلى وساعتها لا اعتقد اني سأكون بحاجة لحقيبة كهذه باحثا فيها عن ملابس تناسبني..
شهقت في صدمة لتلميحه الماجن وانتفضت تنهض في غضب: - انت غير محتمل، انا افضل البقاء تحت الأمطارعلى البقاء معك تحت سقف واحد..

همت بالخروج من الكوخ ليمسك كفها جاذبا إياها في قوة لتسقط فوق الحقيبة المغلقة شاهقة في ذعر ليأسرها بين ذراعيه طالا عليها من عليائه هامسا في غيظ: - اسمعي، ستبقين هنا غصبا عنكِ لا برضاكِ فانا قد اكتفيت من حفر القبور من اجل دفن جثامين الموتى..
اتسعت حدقتي عينيها ذعرا وهى تتطلع اليه في رعب ليستطرد مؤكدا: - نعم، انا دفنت كل من وجدت جثمانه على الشاطئ، وحقا اكتفيت العمل بحفر القبور ولعب دور الحانوتي..

نهض مبتعدا لركنه امرا: - ارتدِ ما يحلو لك من تلك الحقيبة اللعينة، اختاري ما يجعلك جافة وآمنة من ذاك الذئب البشري الذي ينام معك داخل نفس الكوخ يا صاحبة الصون والعفاف..
خلع سترته المبتلة والتي لا بديل لها وقام بعصرها بأقصى قوة مفرغا بها جام غضبه المكبوت قبل ان يرتديها من جديد..

تشاغل عنها آخذا في العبث ببعض الأدوات لتدرك انه يحضر مشروب دافئ وانه يوليها ظهره تاركا إياها تقوم بما امرها به دون ازعاج..
نهضت من فوق الحقيبة وفتحتها وأخرجت منها على عجل فستان اسود من الستان مزروع على ارض قماشه بعض الورود الحمراء ذات البتلات الخضراء..

ترددت في تغيير ملابسها لكنه كان لايزل يوليها ظهره وهتف وكانما يشعر بخلجات نفسها قبل ان تتحدث: - بدلي ملابسك فأنا احاول ان اتشاغل بصنع بعض الشراب الساخن من تلك المواد العجيبة التي أملك..
لم تهمس بحرف وجلست متكومة على نفسها بركن الكوخ حيث كانت وبدأت في خلع ملابسها متخذة من ضلفة الحقيبة المفتوحة ستارا تختبئ خلفه حتى انتهت..

غيرت غطاء رأسها المبتل ذاك بشال مخملي أسود كان يناسب الثوب تماما، استدارت وأغلقت الحقيبة باحكام ونحتها جانبا ليستدير هو ما ان تأكد من حركاتها خلفه انها أنهت ما كانت تقوم به..

وقعت أنظاره عليها ليخفق قلبه في استحسان لتلك الحورية الصغيرة التي يبصرها اللحظة امامه على ذاك الضوء المتراقص باغراء للهيب نيران الركوة لكنه لم يبد اي اشارة تدل على ذاك الاضطراب الذي يعتمل بنفسه ومد كفه بكوب من صفيح صنعه من بقايا عبوات المياه الغازية التي ألقى بها البحر للشاطئ، تناولته منه شاعرة انه ينأى بنظراته عنها بشكل متعمد مما أشعرها بالراحة..

احتضنت الكوب تحاول ان تستمد من سخونته بعض الدفء متسائلة عن محتواه قبل ان تجربه: - ما هذا!؟.

همس وهو يرتشف من كوبه الصفيح هامسا وهو يحتضنه بدوره متطلعا لألسنة النيران التي يراها تحاول ان تخبو لترتاح قليلا فمد كفه بعصا صغيرة وأخذ يحاول اعادة إشعال جذوتها وازكائها من جديد: - هذا مشروب من بعض الأعشاب التي وجدتها هنا تصلح للاستخدام، لا تقلقي، فقد جربته بنفسي عدة مرات قبل ظهورك، عندما كنت رجلا وحيدا وسعيدا..

هتف بكلماته الاخيرة في سخرية لم تزعجها بل على العكس جعلت الابتسامة تطل من شرفة شفتيها رغما عنها وهمست تجاريه: - لم اكن اعلم اني رمز لشقائك وهادمة لدعائم سعادتك..
اتكأ مستندا على الارض بكوعه ومتخذا كفه مسنداً لصدغه وهتف في ثقة: - ليس انتِ بالذات، انما جنسكن بالعموم، انها الحكاية الأبدية، خلق الله حواء من اجل إسعاد ادم وايناسه فإذا بها تخرجه من الجنة الي حيث البلاء والابتلاء..

همست محركة كتفيها في لامبالاة: - لن اجادلك في اعتقادك، هنيئا لك به، وأتمنى من كل قلبي ان تتذكر ذاك المعتقد القيم كلما نظرت اليّ لأشعر ببعض الأمان في رفقتك، تصبح على خير...
أنهت كلماتها وقد اصابت الهدف في منتصفه تماما تاركة اياه فاغرا فاه في تعجب من ردها وهى تعيد وضع الحقيبة منتصبة بينهما مغيبة جسدها خلفها مدعية النعاس..

منذ تلك الوعكة الأخيرة لجدها ونهى لم تفارقه للحظة، كانت منهكة بشكل لا يصدق مما دفع مهنى ليهتف بها في
إشفاق: - الحمد لله ان الامر على خير، لكن الأطباء يؤكدون انه اذا تكررت الأزمة فقد تكون القاضية..
وتنهد في إرهاق مستطردا: - هيا، عليك العودة للفيلا والحصول على قدر من الراحة فهذه هي الليلة الثالثة لكِ على التوالي بلا نوم..
همست نهى في حزن: - لن ارحل تاركة جدي، لن اعود للفيلا الا برفقته..

تنهد مهنى في نفاذ صبر: - اذهبي لأخذ قسطا وافرا من النوم وانا سأظل بقربه، لا تقلقي..
استسلمت نهى أخيرا هاتفة في وهن: - حسنا، سأذهب واعود سريعا..
همس مهنى مطمئنا: - خذي قسطا كافيا من الراحة، لا داعِ للعجلة، فانا لن أبرح مكاني حتى عودتك..

هزت نهى رأسها ممتنة له ونهضت تتجه للفيلا تشعر بانها أصبحت وحيدة بهذا العالم، لم تتمالك نفسها عندما دخلت اليها فبكت بحرقة وهى تتطلع حولها في وجع فقد رحلت رفيقة عمرها والأقرب لها من اخت، لقد دخلا هذه الفيلا معا وقام جدهما بالاعتناء بهما معا، فمنذ تلك الحادثة التي أودت بحياة والديها ووالديّ حياة وقد اصبح جدهما هو عائلهما الوحيد الذي ضمهما لصدره وأسبغ عليهما حنانه ومحبته، كانت حياة هي الأثيرة لديه والأقرب لقلبه لكنه ابدا لم يفرق بينهما في المعاملة اوقدر المعزة..

لكن اين هي حياة الان!؟، وأين جدها!؟.
وأين تلك الحياة الهانئة التي كانت تحياها في ظل محبتهما!؟..
سالت دموعها من جديد وشعرت بخواء داخلها يزيد من حجم وجيعتها، تمنت الشفاء لجدها فلا قدرة لديها على العيش وحيدة بعد ان رحلت حياة للأبد..

حاول ان يتمطأ بأريحية الا انه تنبه لكونه ليس على فراشه الوثير باحد الفنادق الفاخرة بل على فراش من بعض الأعشاب والذي صنعه لنفسه داخل ذاك الكوخ الخشبي المتواضع، نفض الكرى عن احفانه ما ان تسلل اليه ضوء النهار البازغ من خلف خصاص الباب فقرر النهوض بحثا عن طعام فقد شعر بمعدته تقرقر غضبا رغبة في وليمة تخمد تضورها..

ما ان هم بالنهوض حتى تناهى لمسامعه همهمات ما فتذكر من تشاركه الكوخ منذ البارحة فوقعت نظراته عليها من موضعه ليجدها ما تزل تغط في النوم قرر الخروج تاركا إياها تنعم بالمزيد، بحث عن بعض الفواكه اوالخضروات لتناولها على الافطار وجمع ما استطاع من ذاك العشب الذي يستبدله بالمشروب وبعض الماء العذب من نبع قريب ثم عاد ادراجه متطلعا حوله معتقدا انها قد استيقظت لكنه لم يشعر بأي تغير حدث منذ رحل..

حرك باب الكوخ متنحنحا لعلها استفاقت وتغير ملابسها لكنه لم يسمع صوتها، طل برأسه من خلف الباب ليجدها لاتزل على حالة نعاسها وكانما افتقدت النوم منذ ايّام وقررت التعويض..
هم بالنداء عليها لتستيقظ الا ان صوت تلك الهمهمات المتكررة جعله يفتح الباب لينفرج مدخلا الضوء بشكل واضح داخل الكوخ خاصة على موضع رقادها ليجد وجهها وقد اكتسب حمرة عجيبة، هتف باسمها لكنها لم ترد..

شك بالأمروأنحني فورا يلمس جبينها بكف يده واطلق سبابا غاضب ما ان تأكد من صحة حدسه، فقد كان جسدها يغلي من الحمى، حاول إفاقتها ففتحت عيونها بالفعل في وهن للحظات متطلعة اليه في تيه وهمست في تشوش واضح وكانما تر خيالات تتراقص امام ناظريها: - شهاب، ارجوك، انا، لا..

صمتت واغلقت عينيها من جديد راحلة لدنيا الحلم، زم ما بين حاجبيه في تساءل: - من شهاب هذا!؟، وما قصتك معه يا ربة الصون والعفاف!؟، هل هذا من يملك قلبك ويجعلك بعيدة المنال هكذا!؟.
لا يعلم لما شعر بدبيب عجيب من مشاعر اعجب يتسلل الي نفسه مع نطقها لاسم ذاك الاخر بهذه الطريقة الناعمة التي صهرت فؤاده برقتها وهى التي لا تظهر له الا جانبها الخشن وردودها التي تحمل كل دلالات الصد..

ألقي كل تلك الخواطر جانبا وهو يتطلع مرة اخرى لحالها والحمى تتأكلها حرفيا، نهض يحضر بعض من ماء في ذاك الكوب الصفيحي وتناول قطعة ملابس كانت موضوعة جانبا وبدأ في محاولة خفض درجة حرارتها، لا يعلم كم مر عليه من الوقت وهو على حاله لكن الحرارة للاسف لم تهبط لمؤشر طبيعي، كان ذلك نذير خطر ينبئ بالسوء، ماذا عليه ان يفعل!؟، هبوط الحرارة ضروري بل يكاد يكون حتمي للوصول بها لبر الأمان، فهو لا يملك الدواء ولا يدرك ما عليه فعله في هذه المواقف في الظروف العادية فما باله بظرف استثنائى كهذا..

تمتم في غضب: - يا ليتك ما ظهرتي فقد كنت كفيل بنفسي بالكاد..
لكنه شعر بالندم ما ان استعاد بذهنه تلك الكلمات متذكرًا حاله وهو وحيد لا يجد ما يحدثه ولو بضع كلمات، لقد كان ظهورها نعمة لم يشكر الله عليها وقد أدركها اللحظة وهى تكاد تضيع من بين يديه..

لقد كانت لحظة اكتشافه وجودها فيه من السعادة ما جعله يدرك تماما شعور ادم عندما استيقظ ليجد حواء وقد خلقت لاجله، كان شعورا طاغيا بفرحة لا يمكن وصفها وهو لن يجعلها ترحل تاركة اياه يموت وحيدا اويعيش مفتقدا ذاك الشعور الرائع بالأنس..
اقترب منها وحملها في رقة لتفتح جفونها بالكاد متطلعة اليه غير قادرة على الاعتراض لكنها همست في تساؤل متقطع الأحرف: - الي اين تأخذني!؟، انا لم أمت بعد لدفني!؟.

خرج حاملا إياها هامسا: - لن يحدث، سأحاول ان لا يحدث، فلن اقو على فعلها صدقيني، ارجوكِ كوني قوية لأجلي..
رفعت رأسها قليلا متطلعة اليه وهى تشعر بجسدها اشبه بالهلام وهمست: - ولما
افعل..!؟، دعني ارحل، فلن أكون قوية من اجل احد، لقد اكتفيت..
اخفض رأسه متطلعا لوجهها وتساءل في تعجب: - اكتفيتِ مما!؟، ما الذي جعلكِ على هذا القدر من اليأس والرغبة في مفارقة الحياة، يا حياة!؟.

همس باسمها بطريقة كانت غريبة على مسامعه هو شخصيا اما هى فلم تكن تدرك ما يقول وما كان لديها الرغبة في تبادل المزيد من الحوار معه، فليتركها ترحل بسلام، حاولت ان تذهب لدنيا الحلم التي آفاقها منها لحظة حمله إياها لكنها انتفضت من جديد ما ان لامس جسدها ماء بارد جعلها ترتجف وتتشبث به هامسة في احرف مرتجفة: - ماذا يجري!؟

تقدم نحو الماء اكثر وهي لاتزل محمولة على ذراعيه وهمس يطمئنها: - اهدأى، لابد ان يغمرك الماء البارد حتى تنخفض درجة حرارتك المرتفعة تلك..

بدأت ترتجف لدرجة انها ما عادت قادرة على النطق بحرف وأسنانها تصطك ببعضها وقد ازدادت هى تشبث به وتتعلق برقبته، ترك ذراعه اليمنى من اسفل ركبتها لتصبح واقفة بالماء الذي كان يغمرها حتى رقبتها تقريبا، لم تفلته وارتجافها يزيد بل زاد تعلقها به ليطوقها بين ذراعيه رغبة في الحماية وإحساساً فائقا بالشفقة والرحمة يسود قلبه تجاهها وهى على هذه الحالة بلا حول ولا قوة ترتجف فينتفض قلبه بين أضلعه بالتبعية وهمس بصوت أبح: - انتِ ضعيفة سهلة العطب..

لم تعقب بحرف وظلا على حالهما لا يعلم كلاهما كم مر من وقت، من يراهما من البعد يعتقد انهما حبيبان يتبادلان كؤوس الغرام وينعمان بالقرب ويطفئان نار الشوق ولا يعلم ذاك الرائي انهما غريبان اصبحا شريدان بمفردهما في ذاك الفردوس..

ابتدأت ارتجافاتها تهدأ فعلم ان حرارة جسدها قد انخفضت نوعا ما فقرر الخروج بها من الماء فذاك الوضع الحميمي وهى على هذه الحالة من الوداعة والرقة بين ذراعيه يدفع بخيالاته لسبل تهوى الانجراف اليها وهو يعلم علم اليقين انه لن يكون قادرًا على كبح جماحها باستنفارتعقله وإيقاظ كل منطق وبين ذراعيه تلك الحورية..

ابعد ذراعيه عن تطويقها رافعا إياهما خارج الماء ليزيد من احكام ربط غطاء راسها جيدا والذي كانت تتأكد من أحكامه كل دقيقة هاتفا في لهجة مسرحية مرحة: - فلترقد العفة في سلام ولتهنأ الفضيلة..
رفعت رأسها اليه في وهن وابتسمت فاختل توازن الكرة الأرضية وأصبحت الألوان كلها وردية وسمع ناقوس يدق في منطقة ما فتنبه فإذا به عقله يوقظه من خدر تلك البسمة التي فعلت به ما لا يمكن وصفه..

حملها مسرعا يخرج بها من الماء في حذّر وما وطأت أقدامه الرمال حتى اندفع يضعها امام الكوخ مشيرا لبعض الملابس الجافة امرا: - بدلي ملابسك بسرعة بأخرى جافة وانا سأعد بعض الفاكهة فلابد لك من بعض الطعام..
دفع بالباب مغلقا اياه واندفع يحاول التشاغل عن تلك الابتسامة التي أذابت بدمه خمرا معتقا منذ ايّام الخلق الاول..


look/images/icons/i1.gif رواية السماء تشهد أيها الماجن
  09-01-2022 11:28 مساءً   [5]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية السماء تشهد أيها الماجن للكاتبة رضوى جاويش الفصل السادس

تحسنت حالتها باعتدال الطقس الذي تحول لنهار صحو مشمس اثر على نفسيتهما بالإيجاب..
كان قد قرر حتى دون ان يسألها بناء كوخ خاص بها ملاصقا لكوخه مستغلا احد جوانبه ليكون حائط مشترك بينهما..
بدأ في بناءه سريعا حتى انها استيقظت لتجده قد اوشك على الانتهاء منه..
نظر اليها هاتفا: - صباح الخير، أرجو ان تكوني بصحة افضل اليوم..

اومأت في تأكيد ليستطرد مشيرا لكوخها الذي بدأ في تثبيت بابه: - بنيت لك كوخا خاصا لمزيد من الخصوصية..
هتفت في امتنان: - اشكرك..
هتف مازحا: - لا شكر على واجب، فهذا الأفضل لكلينا..
واكد في نفسه: - نعم، افضل كثيرا، ليلتان معها تحت سقف واحد كافيتان وزيادة..
وهتف أخيرا بعد ان انتهى: - ها قد تم الامر بحمد الله، تفضلي، قد اصبح كوخك جاهزا لاستقبالك..

ابتسمت ممتنة وهى تدخل الكوخ متطلعة حولها، لقد اجاد صنعه بشكل اكثر احترافية من كوخه، عادت لتخرج متطلعة له هاتفة: - انه رائع، لا اعرف كيف اشكرك..
هتف مجيبا بلغة لم تفهمها فتطلعت اليه وهمت بسؤاله عما يقصده الا انها تراجعت في اللحظة الأخيرة متبعة نصائح حدسها بان لا تسأل وبديلا عن ذلك سالته في فضول: -كم لغة تجيد التحدث بها!؟.

ابتسم وقد ادرك مدى ذكاء هذه المرأة لتتجاهل معرفة مقصده من كلماته الغير مفهومة لها حتى كنوع من الفضول واكد وهو يستند على جذع شجرة لينل بعض من الراحة متطلعا للبحرالفضي قبالته: - اتقن الانجليزية والفرنسية واجيد الإيطالية والإسبانية وأتحدث بعض الروسية..
تساءلت في تعجب: - كم عمرك يا رجل!؟
توجه اليها بناظريه هاتفا في مشاكسة: -عمري بالسنوات بلغ الخامسة والثلاثين اما عمر الخبرة فهو يناهز المائة عام..

هتفت ساخرة بتهور: - بالتأكيد تقصد الخبرة مع صنوف النساء..
قهقه وهتف من بين قهقهاته: - أوتدركين!؟ انتِ رااائعة..
تطلعت اليه ولم تعقب ليستطرد هاتفا: - حان دورك، كم عمرك يا رائعة!؟.
هتفت متعجبة: - ألا تدرك ان سؤال امرأة عن عمرها يعد قلة تهذيب وعدم لباقة يا سيد!؟.

تطلع اليها بنظرة تحمل الكثير من العبث وهتف متصنعا الدهشة: - كنت أظنك قد ادركتِ مع من تتعاملين يا فتاة!؟، اعرفك بنفسي، انا المادة الخام لقلة التهذيب ومنبع عدم اللياقة..
علت ضحكاتها هاتفة: - تشرفنا، وعلى ايه حال انا عمري سبع وعشرون عاما..
هتف متعجبا: - تبدين في العشرين من عمرك على الأكثر، لكن ماذا عن عمر الخبرة!؟.

هتف بسؤاله الاخير في لهجة مرحة وهو يغمز بعينه فقهقهت مؤكدة: - ابلغ الخامسة عشرة لا اكثر..
هتف مشاكسا: - كم اعشق المراهقات!.
ارتفعت ضحكاتها من جديد غير قادرة على إمساكها واخيرا هتفت ساخرة: - تعشق المراهقات فقط!؟، المراهقات والآنسات والسيدات والعجائز ان لزم الامر، انت تعشق كل ما يحمل تاء التأنيث ويمت لنون النسوة بصلة..

انفرط ارضا منفجر في الضحك من تعليقاتها ليؤكد من بينها: - الم اقل انك رائعة، ورفيقة ممتعة..
لكنه استطرد بعد ان هدأت حدة ضحاته هامسا بلهجة ماجنة متطلعا اليها: - لكنك مخطئة بعض الشئ، ليس كل ما يحمل تاء التأنيث يملك نبضا وحياة..
تنبهت للمنحى الخطر الذي يحاول استدراجها اليه فهتفت في ثبات: - صدقني ما تحاول الوصول اليه ابعد اليك من فرصة نجاتنا من هذه الجزيرة..

وهمت بالنهوض مبتعدة ليهتف هو في ضيق مستوقفا إياها: - اوتعلمين!؟، هذه الشجرة تملك روح عنكِ، سيكون من دواعى سروري تقبيلها دونك، اخطأ من اسماكِ حياة..
استدارت متطلعة اليه بنظرة فارغة جوفاء أربكته بشكل عجيب وهمست: - صدقت، فانا لَحدٌ يمشي على قدمين، واعتقد انك سأمت من حفر القبور..
واندفعت مبتعدة تدخل كوخها تاركة اياه يشعر بخليط من مشاعر لم يخبرها سابقا..

دفعت نهى كرسي جدها المدولب الي داخل الفيلا في سعادة جمة فأخيرا عاد اليها معافى
لكن على قدر فرحتها بعودته على قدر توجسها من ردة فعله بعد ان يعلم ما حدث لحياة، سيكون الامر مريعا وقد لا يحتمل قلبه صدمة فقدها وتكون القاضية كما اخبرهم الأطباء..
هتفت نهى في سعادة: - حمدالله على سلامتك يا جدي، لقد انارت الفيلا بعودتك..

اكد السعيد في امتنان وهو يمد كفه المتغضن يربت على احد كفيها الدافعين لكرسيه: - بارك الله فيك يا حبيبتي، لقد ارهقك الامر كثيرا، انا اعلم، لكن ما ان تعود حياة ستستقيم كل الأمور ويمكنك اخذ دورك في السفر والمتعة ولن يكون عليك مرافقه جدك العجوز..
دمعت عينا نهى وحاولت بمجهود مضن ان تتمالك أعصابها حتى لا تشعره بأحزانها الدفينة..

همست أخيرا ما ان استطاعت استجماع شتات نفسها: - نعم يا جدي، كل شيء سيكون على ما يرام، الأهم عودتك بصحة وعافية..
ربت من جديد على ظاهر كفها لتعاود هي دفع كرسيه حتى حجرته بالطابق السفلي لتساعده على الرقاد والراحة كما امر الطبيب..

تجنبته معظم الوقت حتى انها وجدت مكان لخلوتها على ذاك التل القريب تقضي فيه جل وقتها الا انه لم يشأ تركها وحيدة وتبعها جالسا جوارها متطلعا للبحر امامهما في استمتاع حقيقى بذاك المنظر البكر الذى خلب لبه و ما ان عادت نظراته لتنصب على مرافقته التى كانت تجلس القرفصاء تتطلع الى المنظر امامها فى شرود تام والتي كانت قطعة رائعة تحاكى الروعة من حوله جمالا، تنحنح رغبة فى جذب انتباهها هامسا: - اشعر أننى ادم وانتِ حواء وتلك هى الجنة التى نعيش فيها الأبدية..

تنبهت لكلماته تلك التى استشعرت الى ما ترمي هامسة فى شك: - اهااا، و ماذا بعد!؟، ألم تكتفي، اوحتى تيأس ولو قليلا!؟.
قهقه مؤكدا: - انا لا أيأس ابدا..
واستطرد بنبرة إغواء لا يستهان بها: - لكن الا يغريك المنظر الخلاب حولك!؟.
اكدت وهى تحاول التعامل معه باقصى درجات ضبط النفس: - لا أقع تحت طائلة اى اغراء بسهولة..

هتف بنفس نبرته المغوية: - كيف وحواء هى من اخرجت ادم من جنتهما بسبب وقوعها تحت طائلة الاغواء!؟، انتِ تخالفين الطبيعة اذن...
هتفت بهدوء كاد يقتله: - انا لا أنوي الوقوع فى الخطئية والاكل من الشجرة المحرمة..
اكد هو فى وله تام شاردا فيها: - اما انا فلا مانع لدى اطلاقا، على شرط ان تقدمى لي انتِ الفاكهة المحرمة..
هتفت مؤكدة تحاول السيطرة على انفعالاتها: - اوتعلم..!؟.
هتف فى لهفة: - اعلم ماذا!؟.

هتفت مؤكدة فى رزانة: - لقد كنت مخطئة، نعم يغرينى الان الامر كثيرا..
هتف فى لهفة: - حقا!؟.
اكدت تحاول مداراة السخرية فى نبرات صوتها: - بالتأكيد، يغريني لصفعك الان، فى التو واللحظة..
نظر اليها فى صدمة ثم انفجر ضاحكا هامسا فى مشاكسة وقحة: - صدقيني، اى نوع من التلامس معك متعة فى حد ذاتها، ولكن عند هذا الحد لا مزيد من الاغراء ارجوكِ.

ونهض مبتعدا يتحسس خده متخيلا انه قد صُفع منها بالفعل وأرسل لها ابتسامة خلابة حركت شئ ما داخلها وجعلتها تشيح بوجهها بعيدا وهى تراه يقبل تلك الكف التى كان يضعها على خده منذ ثوان خلت قبل ان يهبط التلة مبتعدا..
فهمست وشبح ابتسامة يرتسم على شفتيها: - ماااكرومجنون..

تطلع شهاب للجريدة في ذعر وهتف صارخا بصدمة: - غير معقول!؟، يا له من حظ عسر!؟.
هتفت اخته شادية في غلظة: - وما العجيب في ذلك!؟، من اين لك بحظ جيد ايها المتعوس!؟.
هتف شهاب: - لكن هذه المرة الامر فاق الحد، انظري..
دفع اليها بالجريدة لتتطلع الي الصفحة التي اشار اليها لتشهق كذلك في صدمة: - ماتت!؟، حياة السعيد، ماتت!؟.

ثم تبدلت نبرتها للغضب فجأة هاتفة: - متعوس، بل سيد المتاعيس، الم يكن باستطاعتك الانتظار قليلا ليجئ القدر ويكون لك في كل هذا العز نصيب، لكن ماذا اقول!؟، احمق ومنحوس، لم تستمع لنصائحي ابدا وهذا هو عقابك، اشعر بالرغبة في الاطباق على رقبتك وازهاق روحك كي تهدأ ثورة غضبي..
شعر شهاب بالخوف متطلعا لأخته هامسا: - ما حدث قد حدث، لن نستطيع تغييرالامر على اية حال..

هتفت شادية ساخرة وعلى وجهها علامات شيطانية تنذر بانها على وشك الادلاء بأمر بالغ الحقارة: - هذا ما يقوله امثالك من الفاشلين عديمي الفائدة، اما انا، فلي رأي اخر تماما سيقلب الموازين رأسا على عقب لصالحنا..
انتفض يجلس بالقرب منها هاتفا في لهفة: - حقا!؟، وكيف ذلك!؟.
ابتسمت في خبث مقيت: - استمع لما سأخبرك به ونفذه بالحرف حتى نعوض خسارتنا، انصت وتعلم ايها المغفل..

ابتسم شهاب في سماجة لأخته واعارها مسامعه وهى تلقي عليه خطتها الجهنمية..

كان يتمدد على ظهره خارج كوخه متطلعا للسماء الصافية وانجمها رغم غياب القمر، جلست بدورها امام كوخها..
هتف دون ان يوجه ناظريه اليها بل انه ظل متطلعا للسماء: - السماء رائعة اليوم، وانجمها اكثر بريقا وتألقا نظرا لغياب القمر...
رفعت رأسها للسماء وأيدت رأيه: - صدقت، انها خلابة، لا نرى مثل تلك السماء الصافية بالمدن..

اكد مشيرا بكفه: - صحيح، انظري، هاهى المرأة المسلسلة اوكما اسماها الاغريق أندروميدا..
تطلعت للسماء ولم تكن تعرف عماذا يتكلم وعندما لم تعقب تطلع اليها مشيرا اليها هاتفا وقد ادرك عدم فهمها: - تعالي..
اقتربت في حذّر كعهدها فأمرها من جديد: - تمددي بالقرب وانظري هناك..

ترددت قليلا الا انها تمددت بمحازاته مبتعدة بالقدر الكافي وتطلعت حيث اشار ليبدأ هو في الشرح قائلا: - امعني النظر في هذه المجموعة من النجوم، تتبعيها، انها اشبه بامرأة مغلولة بالسلاسل، هل رأيتها!؟.
تتبعت إشارته واخيرا استطاعت تصور ما يقول فهتفت في حماس: - نعم، أراها الان بشكل واضح وأتخيل منظرها، هذا جميل، لكن لما سميت هكذا!؟، لما هى مقيدة!؟

هتف مفسرا: - انها نجم المرأة المسلسلة كما اسماها العرب مأخوذا عن الاسم الإغريقي أندروميدا، والتي لها قصة شهيرة في الميثولوجيا الإغريقية أوعلم الأساطير..
هتفت في فضول طفولي: - ما قصتها!؟.

ابتسم لحماسها وهمس في نبرة رخيمة اسرت مسامعها كليا: - أندروميدا كانت اميرة اثيوبية شديدة الجمال وكانت امها دوما ما تتباهى بذاك الحسن الخلاب حتى انها تجرأت يوما وادعت ان ابنتها أندروميدا اشد جمالا من حوريات البحر، وصل ذاك الادعاء لأله البحر بوسيدون فغضب غضبا شديدا للاستهانة بجمال حورياته وقرر ان تُقدم الاميرة أندروميدا كقربان بشري لوحش البحر حتى يعفو عن بلدتهم وتكفيرا عن تجرؤ الملكة على حورياته وغرورها بجمال ابنتها ولم تفلح اي وسيلة في استعطاف اله البحر ليعفو عن الاميرة أندروميدا، و التي وضعت مكبلة على الشاطئ حتى موعد ظهور وحش البحار لينالها كقربان..

صمت قليلا فهتفت حياة تتعجله: - هاا، وماذا حدث بعدها!؟، هل نالها ذاك الوحش حقا!؟
تعمد الصمت من جديد وعلى وجهه ترتسم ابتسامة لا تكاد تراها في عتمة تلك الليلة الغير مقمرة لتهتف من جديد تستحثه الاستطراد: - هيا اكمل، كفاك تشويقا!؟.

قهقه مستكملا قصته: - كان بورسيوس وهو احد الابطال في الأساطير الإغريقية الأخ الغير شفيق لهرقل مارا فرأي تلك الاميرة المكبلة على الشاطئ فاعجب بجمالها ووقع في هواها وتعهد على انقاذها قبل ان يأتي الموعد المحدد لظهور وحش البحر..
هتفت متسائلة: - وهل فعل!؟، هل أنقذها!؟
اومأ ادم برأسه مؤكدا: - لم يكن امامه الا طريقة واحدة لانقاذها..
هتفت وقد فاض فضولها: - ما هى!؟.

تمدد من جديد ممعنا في اغاظتها: - هذه قصة اخرى طويلة، ربما اقصها لك غدا..
هتفت في حنق: - ولما ليس الليلة!؟، هل عندك موعد ستتأخر عليه!؟، ام ان شخص ما ينتظرك على العشاء!؟، نحن هاهنا لا نملك اكثر من الوقت..

تطلع اليها وابتسم لقدرته على استثارة حنقها بهذا الشكل فهو يستمتع بها وهى تلك الفتاة القوية القادرة اكثر من كونها فتاة ضعيفة مغلوبة على امرها لذا هتف في هدوء غير معتاد منه: - حسنا ايتها الغاضبة، سأكمل ولا داع للسخرية..

تنحنح مدعيا السعال فجزت هى على أسنانها في حنق وما كان منها الا حمل ذاك الحجر الذي كان على يمينها مشهرة اياه بوجهه في غيظ ليتوقف سعاله فجأة وينفجر ضاحكا هاتفا في مرح: - قصة تحت تهديد السلاح، سأُرجم حيّا..
اتسعت ابتسامتها ليستطرد مبتسما بدوره: - لم يكن هناك الا رأس ميدوزا كسبيل لإنقاذ الاميرة أندروميدا من وحش البحر..
هتفت متعجبة: - رأس ماذا!؟، من هذه!؟.

اكد مقهقها لفضولها الطفولي: - انها امرأة فائقة الجمال كانت تعمل ككاهنة بمعبد الإله اثينا عشقها اله البحار لكنها رفضت الزواج منه لان من شرط البقاء ككاهنة بمعبد اثنا هو بقاءها عذراء لكن اله البحار اعتدى عليها حتى تصبح ملكا له، غضبت الآله اثينا معتقدة بخيانة ميدوزا فحولتها لكائن مخيف اشبه بالحية جسدا لكن وجهها لايزل وجه امرأة وخصلات شعرها كثعابين، والأدهى من ذلك هو منع اي رجل من الاقتراب منها فقد كانت نظرتها قادرة على تحويل أي كائن يفكر في النظر الى عيونها الى تمثال من حجر..

هتفت حياة في صدمة: - هذا قاس، هى ضحية ومظلومة، فلما فعلوا بها ذلك!؟.
اكد ادم: - ليس كل مظلوم يلق داعما له...
همست في شجن: - صدقت..
ساد الصمت للحظات واخيرا هتفت: - وماذا حدث بعدها!؟.

اكد هاتفا: - كان على بورسيوس الذهاب للحصول على رأس ميدوزا، خاض عدة مغامرات ولاق الأهوال حتى لا يتحول لحجر ويستطيع الحصول على رأسها، واخيرا فعل وعاد به في الوقت المناسب تماما، فقد حان موعد خروج وحش البحر لأخذ الاميرة المقيدة أندروميدا، وظهر بورسيوس في اللحظة الحاسمة طائرا بفرسه المجنح مشهرا رأس ميدوزا في وجه وحش البحر الذي ما ان تطلع اليها حتى تحول الي حجر وانهار متفتتا ليختفي في البحر، وتزوج الأمير بورسيوس الاميرة أندروميدا، وعاشا سعيدين للأبد..

هتفت في استحسان: - قصة رائعة..
وصفقت بكفيها كالأطفال في سعادة مما دفعه لينحن محييا إياها كجمهوره الوحيد لتسأله فجأة: - كيف استطعت حفظ كل تلك القصص والأساطير!؟، انك لا تحفظها وترددها فقط بل تقصها بطريقة بها الكثير من الشغف..
اومأ براسه مجيبا: - والدي هو السبب، كان مغرم بالقصص والحكايا والأسفار وقد ورثت ذلك عنه..

قال ما قاله بنبرة تحمل شجن عجيب استشعرته بقوة وما ان همت بتبادل المزيد من الاسئلة معه حتى نهض هو مستأذنا: - تصبحين على خير..
اندفع تجاه كوخه واغلقه تاركا إياها في حيرة من امره لكنها نهضت بدورها واتجهت لكوخها والذي قبل ان تغلق بابه تطلعت الي السماء حيث تلك الاميرة المقيدة بالأعلى وشعرت انها تمثلها فهى لاتزل مقيدة بسلاسل الماضي الموجع فهل من بورسيوس يأتى لفك أسرها!؟.


look/images/icons/i1.gif رواية السماء تشهد أيها الماجن
  09-01-2022 11:28 مساءً   [6]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 01-11-2021
رقم العضوية : 116
المشاركات : 6453
الجنس :
الدعوات : 2
قوة السمعة : 10
رواية السماء تشهد أيها الماجن للكاتبة رضوى جاويش الفصل السابع

تعالت تلك الصرخات داخل فيلا السعيد مما اثار تحفظه لهذا الصخب الغير مبرر..
حاول النهوض من على فراشه وحيدا لكنه لم يستطع فأخذ ينادي على احد الخدم اونهى لتأتي لمساعدته في الجلوس على الكرسي المدولب الذي امره الطبيب باستخدامه بشكل دائم حتى لا يجهد قلبه بالسير على قدميه..

اخذ في النداء من جديد الا ان تلك الصيحات كانت عالية كفاية لتصم الاذان عن سماع نداءاته، تنهد في قلة حيلة منتظرا ان يأتيه احدهم ليخبره بما يحدث..
هتفت نهى من بين أسنانها محاولة السيطرة على غضبها في وجه ذاك الحقير شهاب وهو يصرخ بهذا الشكل المثير للحنق: - قلت لك أخفض صوتك وانا على استعداد للتفاوض معك فيما تريد..

تنبه شهاب في فرحة لما تعرض وهتف في تخابث: - تتفاوضين في شأن ارثي من ابنة خالك أليس هذا ما تعنين!؟.
حاولت نهى السيطرة على الموقف قدر استطاعتها حتى لا يصل صوته الجهوري الى جدها فهتفت تهادنه: - تعال الي مكتبي وصدقني لن نختلف، لكن عليك الرحيل الان، ارجوك..
نظر شهاب اليها في ريبة وأخيرا هتف في سماجة: - حسنا، سأت لمكتبك ونتشاور واعلمي اني لن أتنازل عن حقي ابدااا..

كانت نهى تعلم ان لا حق له من الأساس في أي ارث لكن ما كان بيدها حيلة الا الإزعان لتهديداته المبطنة وخاصة ان جدها مستيقظا بالداخل ولا تريده ان يقابل ذاك الحقير ويعلمه بأمر حياة لذا هزت رأسها في استسلام مؤكدة: - صدقني ساعطيك كل ما تطلب، لكن ارحل الان..

اومأ شهاب برأسه موافقا وخرج من باب الفيلا لتزفر نهى في راحة مندفعة لتستطلع اخبار جدها، فتحت باب حجرته في هدوء متطلعة لموضعه على الفراش ليتنبه هو لوجودها هاتفا: - ما هذا الصخب الدائر بالخارج!؟.؟
ابتسمت نهى مؤكدة: - لا شيء ذو أهمية يا جدي، مشكلة مع بعض الخدم وانتهت على خير، لا تشغل بالك الا بصحتك أيها السعيد..
قهقه جدها في مودة هاتفا: - اما كفاكِ تدليلا لجدك العجوز!؟.

هتفت نهى في مرح: - ابدااا، سأظل ادللك ما حييت، فانت أروع جد..
ومالت تطبع قبلة حانية على جبينه ليبتسم هو في محبة خالصة لحفيدته الشقية، وتمنى داخله عودة حفيدته الاثيرة حتى يهنأ بقربهما سويا..

خرجت من كوخها عندما بدأ الليل يرخي سدوله لتجده ممددا امام كوخه ناظره شاخصا للسماء، جلست في هدوء دون ان تنبس بحرف، ادار وجهه اليها لتستقر نظراته عليها للحظة ثم اعاد وجهته للسماء من جديد هامسا في قلق: - الهدوء الليلة قاتل، هدوء مثير للريبة..
أكدت وهى تتطلع حولها في اضطراب: - صدقت، ذاك الهدوء الحذر يقلقني..

اكد دون ان يستدير لها: - نعم، أرجو ان لا يكون ذاك الهدوء الذي يسبق العاصفة، اومأت برأسها ايجابا ليستدير باتجاهها ليراها تولي وجهها للبحر الذي يبدو هادئا بشكل مريب..
همس مطمئنا: - كل شيء سيكون على ما يرام..
همست: -اتعشم ذلك..

نهض من موضعه في اتجاه كوخه هاتفا: - تصبحين على خير، الجلوس هنا لا فائدة منه، النوم خير وسيلة للهروب من القلق، هتفت في اضطراب: - هل ستنام حقا!؟، الا يمكنك ان تبقى قليلا!؟، انا اشعر برهبة شديدة من جراء ذاك الصمت المطبق، ابتسم مؤكدا: - لا تخافي، الامور ستسير بشكل جيد، انه مجرد هاجس لا اكثر، اذهبي للنوم بالمثل..
اكدت في صوت متحشرج: - لن أستطيع النوم والقلق يتأكلني، لن يغمض لي جفن دون شعوري بالامان..

هتف مشاكسا: - الامان بقربي، فانا بائع الامان الوحيد هنا، فهل من مشتٍر!؟، نظرت اليه شذرا هاتفة في غيظ: - الا تمل ابدا!؟، اتمنى ان تبور بضاعتك..
قهقه مؤكدا في ثقة: - ابدااا، الامان بضاعة لا تبور مع التقادم، وستدركين ذلك يوما ما..
نهضت متجهة لكوخها وقبل ان تدخل وتغلق بابه خلفها هتفت في ثقة: - قد يحدث ذلك، اتعلم متى!؟، حين تطير الافيال..

قهقه ولم يعقب على كلماتها وهى تحتمي داخل كوخها ليحذو حذوها ويدخل كوخه بدوره مستعدا لنوم مبكر، ابكر من المعتاد..

دخل شهاب على اخته التي انتفضت في لهفة هاتفة في تعجل: - هااا، ماذا فعلت!؟.
اكد شهاب: - لم أقابله، لكن حفيدته الأخرى وعدتني بإعطائي كل ما ارغب..
صرخت شادية في غضب: - لماذا لم تقابله..!؟، الم يكن هذا ما اتفقنا عليه!؟.
هتف شهاب في سخط مشيحا بيده: - هذا ما حدث، لقد صرخت وكان صوتي يوقظ الموتي لكنه لم يظهر وكانت هي تقف بالمرصاد فقلت يكفيني العرض الذي قدمته لي..

تنهدت شادية في نفاذ صبر هاتفة: - حسنا..
ساد الصمت للحظة لتقطعها هي في صوت كفحيح افعي وهى تربت على خدها بسبابتها
في تفكير عميق: - فليكن، ولنضرب عصفورين بحجر واحد..
هتف شهاب متسائلا: - كيف ذلك!؟.
تنهدت من جديد في خيبة هاتفة: - سأخبرك يا اخرة صبري..

ونظرت اليه ممتعضة هاتفة في استهزاء: - لا اعرف لما أراد ابوك انجاب ذكر يحمل اسمه ليبتلينا الله بك لتكون عالة علىّ غير قادر حتى على القيام بما يقوم به الرجال أيها الغضنفر، لا اعرف ما الذي يجعلني اتحملك وانت مجرد مصدر للمشكلات ولا قدرة لديك على حلها الا بمشورتي وتوجيهاتي، اما من منفعة تذكر يمكن ان تأتي من رفقتك!؟.

هتف شهاب في برود فقد استمع الي تلك المسبة المطولة مرارا وتكرارا حتى اعتادها وأصبحت من الطقوس التي تتبعها اخته ولم يعد يعبء بها: - وأي منفعة تنتظرين اكثر من مال حفيدة السعيد الغالية!؟.
هتفت وهى تمط شفتيها في سخرية: - لنرى هل ستستطيع تنفيذ ما اتفقنا عليه، ام انك ستخيب املي كما تفعل دوما!؟.
اكد شهاب في ثقة: - بل سأفعل، فذاك المال هو الأمل الذي أعيش عليه منذ علمت بوفاة حياة، ولن يكون لغيري..

هتفت شادية في استهانة وهى تتجه الى المطبخ: - افلح ان صدق..
وأطلقت ضحكة مجلجلة تسخر منه كما هي عادتها..

انتفض داخل كوخه عندما شعر ببرودة الماء تصل لجلده في نفس اللحظة التي تناهى له صرخاتها ليدرك ما ان نهض من موضعه ان مياه البحر أصبحت بالفعل داخل كوخه، فمد البحر هذه الليلة قد وصل ذروته وبدأت الريح بالفعل في الزمجرة بالخارج، دفع بابه ليجدها قد اندفعت من بابها بدورها، كانت الريح تعلن عن غضبتها وبدأت في دفع الاشياء كلها في طريقها..

هتف ادم في توتر: - كنت اعلم ان الامر لن يمر على خير، ها هي الطبيعة تكشرعن انيابها..
صرخت في اضطراب وهى تمسك بغطاء رأسها تحاول احكام سيطرتها عليه مع عدم قدرتها على السير في ردائها الطويل الذي بدأت مياه المد تقذف بأمواجها عليه فبللته كليا وجعلته ثقلا يعجزها عن الحركة بخفة في ظل ذاك الجو الثائر: - ماذا علينا ان نفعل!؟.

ما ان هم بالاجابة حتى دفعت موجة قوية من الريح بسقف كوخيهما ليطير في الهواء كانما هو ريشة لا ثقل لها..
جذب نفسه بالكاد حتى وصل لموضعها القريب يحاول ان يكون حائط صد لها في مواجهة تلك العاصفة القوية التي تشتد لحظة بعد اخرى وكذا المد الذي بدأ يزمجر قازفا بأمواجه ليغرقهما كليا ضاربا بظهره في قوة اشبه بحد السيف وهو يقف كصخرة يتناوله عنها في صلابة..

مد كفه ممسكا بكفها جاذبا إياها جذبا في اتجاه كوخها ليمسك بحقيبة الملابس التي لحسن الحظ وجدها مغلقة واتجه الي ذاك التل الذي دوما ما تختلي فيه بنفسها وحيدة على قمته..

جاهدا حتى وصلا لسفحه وبدأ هو في التسلق من الجانب المعاكس لاتجاه الريح جاذبا حياة خلفه بكف والحقيبة بكف اخر حتى وصلا لداخل كهف في باطن التل كان قد استكشفه منذ وطئت أقدامه الجزيرة وبعد ان كان قد اقام كوخه بالفعل، كان قد قرر الانتقال اليه لكن وجده رطبا وخانق بعض الشئ وبه بعض الحشرات التي قد تكون مؤذية فعدل عن الفكرة..

الان اصبح الموضع الوحيد المتاح لهما بعيدا عن الدغل الذي يمكن ان يكون اخطر مكان لبقائهما في وقت العاصفة نظرا لاحتمالية سقوط الاشجار، وكذا الابتعاد عن الشاطئ لعلو المد بهذه الطريقة الغير معتادة..

توقفت على مدخل الكهف لاتجرؤ على الدخول لتلك العتمة التي تعم باطنه ليدخل ادم في حذر ممسكا كفها مشجعا حتى تتبعه، همست في صوت باكِ: - هل سنمكث هنا!؟، همس مؤكدا: - وهل هناك خيار اخر!؟، الوضع بالخارج مرعب وربما يزداد سوءا، الحمد لله اني كنت على علم بموضع ذاك الكهف والا ما وجدنا مكانا يأوينا في مثل ذاك الظرف القاهر، تعالي..
ترك كفها وانحنى ممسدا بكفه بكل حرص على ارض الكهف الصخرية يمهدها لاجلها..

همست متعجبة: - ماذا تفعل!؟.
اكد في نبرة عادية: - أمهد لك الأرض لأتأكد انها خالية من الحشرات التي قد تؤذيكِ..
واستطرد عندما لم تعقب صامتة في صدمة لفعلته: - يمكنك الجلوس الان، هيا، جلست حيث ربت على وجه الارض في ثقة وأسندت ظهرها على جدار الكهف في حذّر ليجلس جوارها متنهدا هامسا وهو يربت على كفها: - اطمئني، سينتهي الامر على خير، انها عاصفة وبعض المد، من حق الطبيعة ان تغضب قليلا..

اومأت برأسها في هدوء هامسة: -لا يهم ما يمكن ان يكون بالخارج، نحن هنا في امان، أليس كذلك!؟.
اومأ براسه مؤكدا: - نعم نحن بأمان، واستطرد مازحا: - هل ادركتي الان ان الامان سلعة لا تبور ابدااا!؟.
وهتف ساخرا في مزاح يحاول إخراجها من حالة الذعرالتي تتلبسها: - بالمناسبة، هل طارت الافيال!؟
اتسعت ابتسامتها مؤكدة: -لا، بل طارت الأكواخ ونحن هنا عالقون بلا حول ولا قوة..

قهقه لمزاحها الغير معتاد لتتوقف ضحكاته مع صرختها عندما زمجر الرعد بالخارج وبدات السماء تبرق ويهطل المطر الغزير..
ألتصقت به في ذعر حقيقي فهو يعلم انها تخشى صوت الرعد بشدة، همس بالقرب من مسامعها التي تخفيها خلف ذراعيها محيطة بهما رأسها: - اطمئني، لن يصيبك مكروه وانا بجانبك..
همست في اضطراب وبصوت متحشرج وهى ترتجف: - اشعر ببرد غريب ينخر عظامي، هل هو الموت!؟.

ابتسم مشفقا: - لا، بل ثيابك المبتلة هى سبب ارتجافك، علينا ان نشعل بعض النيران للتدفئة، وعليك تبديلها باخري جافة واشار للحقيبة التي رأت اين وضعها باحد اركان الكهف حيث هتف امرا: - لقد هداني الله لإحضارها في اخر لحظة، اخرجي لك ما يمكن ان ترتديه ودعيني احاول إضرام النيران في الاعواد الجافة هنا..
هتفت وقد بدأت في الارتجاف بشدة وهى تتحرك نحو موضع الحقيبة: - وماذا عنك!؟

هتف ساخرا وهو يجمع الاعواد الجافة من هنا وهناك والتي تظهر له على مدخل الكهف عندما تضئ السماء للحظات بفعل البرق: - ماذا عني!؟، الحقيبة ليس بها الا ملابس نسائية على ما أتذكر..

وضع الأعواد في كومة بمنتصف الكهف لتهتف وهى تفتح الحقيبة تتناول منها ما يمكنها ارتدائه: - هنا مئزر قد يكون صالحا لأجلك، اعتقد انه قد يفي بالغرض، أخرجته بصعوبة بعد ان فتشت عليه كثيرا نظرا لانتشار العتمة داخل الكهف لكن اخيرا طالته يدها عند اول بصيص للنور سطع متزامنا مع صيحة انتصاره منتشيا لنجاحه في إشعال النيران..

ناولته المئزر واضطربت تتطلع حولها ليدرك هو سبب اضطرابها مشيرا لجانب الكهف المنعزل قليلا هاتفا: - يمكنك تبديل ملابسك في ذاك الركن المنعزل، وانا سابدلها هنا وكل منا يولي ظهره لصاحبه، هل يرضيك هذا!؟.

اومأت برأسها واتجهت الى حيث اشار وشرعت في تبديل ملابسها وحذا حذوها جلست بعد ان انتهت ولم تنظر اليه معتقدة انه لم ينته لكنه هتف بصوت ساخر: - الم تنته بعد، فانا اقف موليا ظهري كالتلميذ المعاقب باخر الصف..
هتفت مؤكدة ولم ترفع نظراتها اليه بعد وهى تعدل هندامها: - بلا انتهيت، يمكنك الاستدارة..

وقع ناظريها عليه في تلك اللحظة لتنفجر ضاحكة على مظهره ذاك بهذا المئزر المزركش والذي بالكاد يصل لما دون ركبتيه، زمجر زاما ما بين حاجبيه: - امنعي الضحك والا..
هتفت تغيظه: - والا ماذا!؟، هل ستتقمص دور صاحبة المئزر!؟.
هتف في مجون: - بل سأخلع المئزر وستندمين..
هتفت في تردد: - لا، انك لن تفعل..

قاطعها في نبرة عابثة وهو يضع كفيه على حزام المئزر المشدود على خاصرته مهددا: -لا تختبري صبري، فانا في الاساس ابحث عن حجج لأخلق جو من الإثارة هاهنا..
لم ترد بحرف واحد فعلم انه كسب المعركة فجلس في محاولة لضم طرفي المئزر ليبدو بمظهر المحتشم ولو قليلا مما اثار نوبة من الضحك حاولت هى كتمانها قدر استطاعتها..

ليهتف هو في محاولة لكسر تأثير ذاك الجو الساحر داخل الكهف: - هل أقص عليك احدى اساطيري قتلا للوقت..
هتفت في حماس: - فكرة جيدة، كلي اذان مصغية..
هتف في صوت رخيم: - سأقص عليك حكاية يراها البعض حقيقة والبعض الاخر محض خيال، هى قصة من حكايات الف ليلة وليلة..
هتفت في سعادة: - رااائع، اعشق تلك الحكايات..
واستطردت تشاكسه: - وانت ستكون رائع في دور شهرزاد خاصة بهذا المئزر المزركش..

قهقهت ليهتف هو ساخرا: - بل سأكون اروع في دور مسرور السياف لانهض اللحظة مخلصا عنقك من ثقل رأسك الجميل..
تجاهلت غيظه وسألت في براءة والابتسامة لاتزل تكلل محياها: - لم تقل عن اي شيء تحكي أسطورتك!؟
استطرد هو في سعادة طفولية وقد قرر تجاهل سخريتها بدوره: -غيرت رأيي، سأقص عليكِ أسطورة اخرى من الادب الاغريقي مناسبة تماما لتلك الأجواء التي نعيشها اللحظة..
هتفت في جزل: - حسنا لا بأس، ما اسمها..!؟.

هتف بدوره وبلهجة محملة بالحماس: - السكايكلبس بوليفيموس..
هتفت تستحثه على البدء: - مدهش، تبدو مشوقة..
اكد في خبث مبتسما: - نعم مشوقة جدااا فهى تحكى عن احد العمالقة ذوي العين الواحدة..
شهقت معترضة: - لا، ليس الان وفى هذا الجو المشحون بالرهبة
هتف في إصرار طفولي: - لن احكي غيرها..
همست في خنوع: - انت تعاقبني لسخريتي منك ونعتك بشهرزاد، حسنا، احكها لعلها لا تثيرالرعب..

تنحنح هو وبدأ يقص حكايته هامسا بذاك الصوت الاسر الذي يجذبها جذبا لمداره
لتسبح في فلكه وتصبح تحت تاثير سحره الخاص ما ان يبدأ في سرد اساطيره التي تخلب لبها: - كان العملاق بوليفيموس احد
أفراد قبيلة العمالقة ذوي العين الواحدة او السيكلوبس وكانوا يعيشون على جزيرة يقتاتون على لحوم الاغنام والماشية
وأحيانا لحوم البشرالذين كان حظهم العسر يدفعهم للنزول على تلك الجزيرة ليكونوا طعاما لعمالقتها..

همست في توتر: - آكلي لحوم بشر في اجواء كهذه!؟، سامحك الله..
قهقه مستطردا: - كان بورسيوس في رحلة هو ورفاقه الاثنى عشربسفينته في مهمة ما، لكن..
قاطعته مستفسرة: - أليس بورسيوس هذا هو منقذ الاميرة المسلسلة، أندروميدا!؟.

نظر اليها وعلى وجهه ابتسامة رائعة كللت محياه وظهرت بشكل خلاب على تفاصيل وجهه الذي كانت ألسنة النيران تتراقص عليه لتضفي عليه سحرا من نوع اخر وهمس في سعادة: - نعم انه هو بالفعل، كانت هذه واحدة من المغامرات التي خاضها عندما كان في رحلته لجلب رأس الجرجون او ميدوزا كما قصصت لك حكايتها..
واستطرد متفاخرا: - يبدو انك تستمتعين حقا بتلك الاساطير!؟

ابتسمت في خجل هامسة: - نعم للحق استمتع كثيرا، ماذا حدث في تلك المغامرة!؟
استأنف حكايته وتلك الابتسامة مرسومة على محياه هامسا: - للحظ العسر هاج البحر ودفع بسفينة بورسيوس ورفاقه لجزيرة العمالقة ذوي العين الواحدة، فألتقطهم بوليفيموس في سعادة فما اروع لحم البشر كهدية تأتيه من غير ميعاد..

ارتفعت قهقهاته عندما لاح الاشمئزازعلى محياها واكمل هاتفا: - سجن العملاق بورسيوس واصحابه داخل احد الكهوف برفقة ماشيته، وكان كل يوم يتناول على إفطاره اثنين من الرجال..
هتفت في صدمة: - هل أكلهم حقا!؟، ضحك مؤكدا: - وهل سيمزح العملاق في امر كهذا!؟
تساءلت في اضطراب: - وماذا حدث بعدها..!؟، بالتأكيد نجا بورسيوس والا كيف أمكنه إنقاذ الاميرة، لكن كيف نجا!؟.

هتف مبتسما: - انتِ ذكية، وكيف، اتركيني أقص لك الحكاية دون مقاطعتي وستعرفين..
هتفت ممتعضة: - حسنا، اكمل..
هتف ادم مستطردا: - قرر بورسيوس واصحابه التخلص من العملاق وعندما فتح العملاق الكهف ليتناول وجبته الصباحية منهم ناداه بورسيوس..
هتفت مصدومة: - نادى العملاق!؟.

علت ضحكاته ولم يلمها هذه المرة فلقد اعترف ان مقاطعتها لسرده وظهور تلك التعبيرات الطفولية الرائعة على محياها لهو اكثر متعة من الحكاية نفسها واكمل هازا راْسه مؤكدا: - نعم ناداه ليعطيه هدية، برميل ضخم من الخمر المعتق كان قد حمله رجاله معهم عند نزولهم من السفينة، تناول العملاق برميل الخمورفي سعادة وما ان تذوقها حتى راقت له فتجرعها كلها حتى ثمل وبدأ يشعر بالنعاس، لكن قبل ان تثقل أجفانه سأل اوديسيوس عن اسمه حتى يعطيه جائزة وهى تركه دون أكله، فأجابه اوديسيوس ان اسمه لا احد، راح العملاق في سبات عميق بفعل الخمر واستغل اوديسيوس واصحابه تلك الفترة في صنع عصا مدببة الرأس وما ان استيقظ العملاق وفتح باب الكهف ناظرا بعينه الوحيدة ليتناول وجبته من الرجال حتى غرسها اوديسيوس بعينه مصيبا اياه بالعمى ليصرخ العملاق مناديا أهله مستنجدا هاتفا بصوت جهوري: - لا احد اصاب عيني بالعمى، لا احد اصاب عينى بالعمى..

قهقهت وهى تراه يقلد العملاق مضخما صوته بهذا الشكل الدرامي متقمصا دوره ليقهقه ادم بدوره مستطردا في مرح: - لقد ضحك أهل العملاق عليه مثلما تضحكين الان واعتقدوا انه قد أصابه الجنون، لذا قرر العملاق الانتقام من اوديسيوس ورجاله بأكلهم جميعا دفعة واحدة ففتح باب الكهف باحثا عنهم بكف يده بعد فقده عينه وهو يخرج ماشيته حتى يسهل عليه ألتقاطهم من داخل الكهف لكن اوديسيوس واصحابه استطاعوا التعلق ببطون الماشية الضخمة والخروج من الكهف ومنه حتى سفينهم هربا من جزيرة العمالقة لاستكمال رحلتهم..

تنهدت في سعادة: - حسنا، قصة رائعة، لقد انتهى الامر على خير..
لكنها قررت مشاكسته مستطردة: - وهنا ادرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح..
هتف في غيظ: - اوتعلمين!؟، لدي ميل قوي للخروج في مثل هذا الطقس تاركا اياكِ وحيدة مع حشرات الكهف وزواحفه..
هتفت تزيد من وتيرة سخريتها: - او ربما احد العملاقة يجدني طعاما سائغا فيلتهمني حية، سيكون ذلك من دواعي بهجتك، أليس كذلك!؟.

هتف مؤكدا: - بلاهو كذلك، وسأقيم الافراح لسبع ليال بالطبول الافريقية لعودتي وحيدا وسعيدا من جديد..
همست في هدوء: - تصبح على خير..
ساد الصمت للحظات وهى تتمدد على ارض الكهف توليه ظهرها ليتمدد هو بدوره على الجانب الاخر وقد شعر انه أحزنها مما اثار بداخله شعور عجيب بالضيق، ألقى نظرة اخيرة تجاهها وأخيرا تنهد موليا لها ظهره محاولا الولوج لدنيا الحلم دونها..

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 2 من 5 < 1 2 3 4 5 >





الكلمات الدلالية
رواية ، السماء ، تشهد ، أيها ، الماجن ،












الساعة الآن 08:30 AM